أُميط اللثام مؤخرًا عن نجاح العلماء في استخدام الحمض النووي "دي إن إيه" المنزوع الأكسجين لتخزين البيانات الموجودة بالكتب والمكتبات والأرشيف، لدرجة أن جرامًا واحدًا من الـ "دانا" يمكن أن يسع 455 مليار جيجابايت من البيانات، وأن أربعة جرامات تستوعب بيانات العالم كله لعامٍ كامل! وبعد فترة وجيزة سيكون بالإمكان تخزين مكتبات كاملة في فِراء هِرّة صغيرة أو تحت ظفر إبهام إنسان.
الطفرة المذهلة في عالَم الذكاء الاصطناعي تدفعنا للاطلاع على تقرير خبير الاستشراف " توماس فيري"، ومنه يمكنك معرفة الوظائف التي تحتاجها العشرين سنة القادمة؛ خاصة لمن لديهم أبناء ولدوا بعد عام 2010، تحت عنوان "وظائف فعالة لجيل الألفا"، ليصبح اختفاء مئات الوظائف التقليدية؛ والاستعداد لمعاناة جيوش العاطلين على مستوى العالم أمرًا لا مفر منه.
الجديد الآن ظهور مصطلح "حقوق الربوتات"؛ أي الالتزام البشري الأخلاقي تجاه الآلات، بمعنى أن للروبوت الحق في الوجود؛ كما للإنسان الحق في الحياة، وبل ويحتاج لخبراء تجميل تمامًا كحاجة البشر لجراحي التجميل.
ويتمادى البعض في المطالبة بـ "حرية الروبوت" في التعبير والمساواة أمام القانون، وحين يردُّ البعض بأن الذكاء الاصطناعي لم يصل لمرتبة البشر؛ يقول آخرون: "على الأقل لهم حقوق كما للحيوانات حقوق"، فعلى سبيل المثال عندما نشرت شركة "بوسطن دينامكس" المصنعة للربوتوتات مقطعًا يُظهر الموظفين وهم يركلون الروبوت "سبوت" لاختبار قدرته على حفظ التوازن، أصدرت مؤسسة حقوق الحيوانات "بيتا" بيانًا استنكاريًّا وصفَت فيه السلوك بأنه "غير مقبول".
لم يعد خافيًا أن العمل يجري على قدَمٍ وساقٍ لبرمجة الروبوتات كي تكتسب مهارات تصويب الخطأ والاعتذار، والشعور والإحساس، ومشاركة البشر أتراحهم وأفراحهم، والعمل على برمجتها بما يناسب مزايا ثقافة وأخلاقيات ودين مجتمعها، المعضلة أن اختلاف الثقافات والأديان ستلقي بإزار مصيبة أكبر؛ وقت يتم التصنيع في بيئة مغايرة أخلاقيًّا للبيئات التي يتم التصدير إليها! فالصواب والخطأ هنا قد لا يكون كذلك هناك.
فهل إذا تم ترتيب أخلاقيات الروبوت على المذهب "النفعي" مثلا؛ القائم على أن الغاية تبرر الوسيلة، فماذا تنتظر من ريبوتك إذا وجدك تظلم عُمالك أو زوجتك أو أبناءك أو تبخل عليهم بمالك؟ وكيف سيتصرف حال عقوقك لوالديك؟ هل ستكون بمنأى عنه ساعة يحاول قتلك أو سرقتك ليعطي الحقوق لأصحابها؟ وهل تستطيع عتابه أو محاسبته إذا علِمتَ أنه مُدرّبٌ على فنون القتال؟
يضع البعض أُطرًا هامة يجب مراعاتها في برمجة تلك الآلات؛ منها: لا يجوز لها إيذاء البشر، عليها الطاعة فقط، عليها "المحافظة على بقائها".... أعتقد أن النقطة الأخيرة تعني نقل آفات البشر لتلك الآلة؛ فهم سيعلمونها النفاق؛ والرياء؛ والتصفيق؛ والكذب، أي ستكون مِن "حَملة المباخر" لمن ينفق عليها ويتخذها مستشارًا ومساعدًا له.. لأنها - مِن الآخر- لازم تحافظ على "لقمة عيشها"!
----------------------
بقلم: حورية عبيدة